-->

شرح كتاب الطهارة بلوغ المرام من1الى ١٠

 


دروس كتاب الطهارة من بلوغ المرام.:

*دروس في كتاب بلوغ المرام*.

الدرس الأول:   

كتاب الطهارة 

(باب المياة).


بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .

أما بعد فهذه مسائل وأحكام من كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله صاحب المؤلفات الكثيرة والجهود الكبيرة في السنة النبوية .

وكتابه هذا (بلوغ المرام) كتاب مختصر كما قال في مقدمته ، حيث قال: (فهذا مختصر يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشرعية ، حررته تحريرا بالغا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغا ، ويستعين به الطالب المبتدي ولا يستغني عنه الراغب المنتهي).


ووضع المصنف لنفسه مصطلحا في تخريج الأحاديث ، حيث قال: (وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة ،

فالمراد بـ(السبعة): أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه .

وبـ (الستة): من عدا أحمد .

وبـ (الخمسة): من عدا البخاري ومسلما ، وقد أقول: الأربعة وأحمد .

وبـ( الأربعة): من عدا الثلاثة الأُوَل .

وبـ(الثلاثة): من عداهم والأخير .

وبـ( المتفق عليه) البخاري ومسلم .

وقد لا أذكر معهما غيرهما .

وما عدا ذلك فهو مبيَّن) .


ومع اختصار كتاب الحافظ ابن حجر هذا فقد اشتمل على الأحاديث المتعلقة بعبادات الناس ومعاملاتهم الحلال منها والحرام .

وبدأ المصنف رحمه الله 

بكتاب الطهارة قبل الصلاة كون الطهارة شرطا في صحة الصلاة  لا يقبل الله صلاة بغير طهور كما سيأتي في الأحاديث إن شاء الله .

وقد كان الاعتماد بعد الله في جمع هذه المسائل من شروح العلماء للكتاب كشرح الصنعاني والبسام وعبدالله الفوزان .


بدأ الحافظ رحمه الله بكتاب الطهارة حيث إنها شرط لصحة الصلاة.  


قال الشيخ عبدالله البسام رحمه الله: (والطهارة هي ارتفاع الحدث بالماء أو التراب وزوال النجاسة .

والطهارة لها أربع مراتب:

المرتبة الأولى: تطهير ظاهر البدن من الأحداث والأنجاس .

والمرتبة الثانية: تطهير الجوارج من الجرائم والآثام .

والمرتبة الثالثة: تطهير القلب من الأخلاق المذمومة .

والمرتبة الرابعة: تطهير السر عما سوى الله ، وهذه الأخيرة هي الغاية القصوى لمن قويت بصيرته فسمت إلى هذا المطلوب .

ومن عميت بصيرته لم يفهم من هذه المراتب الأربع إلا المرتبة الأولى ). 


ولما شرع في الطهارة بدأ ببيان أحكام المياه ، لأن الماء هو الأصل في التطهير ، فأراد رحمه الله أن يبين أحكامه وما يصلح منه للتطهير وما لا يصلح فقال رحمه فيما أورد من الأحاديث:

 

1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: " *هو الطهور ماؤه الحل ميتته "* .

أخرجه الأربعة وابن ابي شيبة واللفظ له ، وصححه ابن خزيمة والترمذي. 


 *مسائل من حديث أبي هريرة*:

المسألة الأولى: الرواي لهذا الحديث أبوهريرة رضي الله عنه ، واسمه عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه أكثر الصحابة رواية للحديث النبوي مات بالمدينة سنة 59هـ وهو ابن 78 سنة ودفن بالبقيع. 

الثانية: حكم الوضوء بماء البحر وأنه مباح وذلك لوجهين الأول من حيث الأصل والثاني تنصيص الدليل عليه حين سئل عنه. 

الثالثة: قال الشيخ عبدالله البسام رحمه الله: ماء البحر حوى أملاحا معدنية عديدة ومحلول الأملاح فيه موصِّل كهربائي يكوِّن أكبر نسبة من المواد الذاتية في ماء البحر وبهذا يكون أقدر من غيره على إزالة الأنجاس ورفع الأحداث ولله في خلقه أسرار)انتهى.

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (الطَّـهور) بفتح الطاء اسم للماء الطاهر بذاته المطهر لغيره .

وقوله: (الحل ميتته) ميتة البحر السمك ونحوه كما سيأتي في حديث: (أحلت لنا ميتتان الجراد والحوت).

    ***

والله أعلم .


دروس من بلوغ المرام 

كتاب الطهارة

(باب المياه)


الدرس الثاني

قال المنصتف رحمه الله: 

2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *إن الماء طهور لا ينجسه شيء*" .

أخرجه الثلاثة وصححه أحمد.


3 -  وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " *إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه* " أخرجه ابن ماجه وضعفه أبو حاتم.

وللبيهقي: *الماء طاهر إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه*".

 

4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  *اذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث* " وفي لفظ:  " *لم ينجس* ".

 أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة وابن حبان. 


*مسائل من حديث أبي سعيد الخدري* 

المسألة الأولى: راوي الحديث أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخدري وهو من المكثرين ، غزا اثنتي عشرة غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أولها غزوة الخندق سنة خمس وكان قبلها صغيرا ، مات سنة 74هـ ودفن بالبقيع ، وعاش 86 سنة. 

المسألة الثانية: الحديث صحيح ويسمى حديث بئر بُـضاعة ، وله سبب وهو أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بُضاعة وهي بئر يطرح فيها الحِيَض ولحوم الكلاب والنَّـتَن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء). 

المسألة الثالثة: في قوله: (لا ينجسه شيء) ظاهره العموم ، كونها نكرة في سياق النفي ، ولكن هذا الظاهر غير مراد ، إنما المراد بالحديث الماء الكثير الذي لم تغيره النجاسة فما تغير بالنجاسة فإنه نجس بالإجماع ، وبئر بضاعة معلوم أن ماءها كثير ، قال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قـيِّم بئر بضاعة عن عمقها ، قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة ، قلت: فإذا نقص ؟ قال: دون العورة ...) .

المسألة الرابعة: لا ينبغي الظن بالصحابة وهم أطهر الناس أنهم كانوا يفعلون ذلك عمدا مع عزة الماء في بلادهم وإنما كان ذلك لأن هذه البئر كانت في الأرض المنخفضة وكانت السيول تحمل الأقذار من الطرق وتلقيها فيها وقيل كانت الريح تلقي ذلك واحتمال أن السيل والريح تلقيان جميعا.


قال الشيخ عبدالله الفوزان: هذا الحديث من جوامع الكلم لأنه دل على أن الماء طهور لا ينجسه شيء كماء البحار والأنهار والآبار والأمطار وهذا هو الأصل في الماء أنه طهور حتى تعلم نجاسته .


*مسائل من حديث أبي أمامة* : 

المسألة الأولى: رواي الحديث أبو أمامه صدي بن عجلان الباهلي سكن مصر وانتقل منها إلى حمص ومات بها سنة إحدى أو ست وثمانين .

المسألة الثانية: الحديث ضعفه أبو حاتم لأنه من رواية رشدين بن  سعد رحمه الله وهو رجل صالح لكنه أدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث وهو متروك.

المسألة الثالثة: الضعف منصب على الاستثناء في المتن ، أما أولها فقد صح من حديث أبي سعيد الخدري المتقدم.

المسألة الرابعة: مع كونهم أجمعوا على ضعف الاستثناء لكنهم أجمعوا على القول بحكمها ، إذ أنهم اتفقوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس فكان الإجماع هو الدليل لا هذه الزيادة. قال شيخ الإسلام: ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصا عليه ولا نعلم مسألة واحدة أجمع عليها المسلمون ولا نص عليها.

المسألة الخامسة: رواية البيهقي مهمة لأنها تفسر حرف العطف (الواو) عند ابن ماجه وأن المراد أحد هذه الأوصاف الثلاثة فتكون بمعنى (أو) .

المسألة السادسة: دلت هذه الروايات على أن الماء قسمان طهور ونجس فالطهور الباقي على خلقته حقيقة أو حكما ، فالأول كماء البئر والبحر ونحو ذلك ، والثاني المتغير بشيء لا يسلبه الطهورية ، كالمتغير بما يشق صون الماء عنه كورق الشجر والتراب ونحوهما ، فإن تغير بشيء يخرجه عن كونه ماء ويعطيه اسما آخر كاللبن والمرق والتمر ونحوها لم يكن طهورا لأنه ليس بماء. 

وأما النجس فهو ما تغير بنجاسة سواء أكان كثيرا أم قليلا بممازجة أم بغيرها ، فإن أصابته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه فهو طهور لعدم الدليل على النجاسة.


*مسائل من حديث القلتين*.

المسألة الأولى: رواي الحديث عبدالله بن عمر بن الخطاب ، أسلم صغيرا بمكة وتوفي بها سنة 73هـ ودفن بمقبرة المهاجرين بذوي طوى .

المسألة الثانية: اختلف في تصحيح الحديث وتضعيفه ، وحكم عليه بالاضطراب سندا ومتنا ، ولكنه صحيح ، لأن الاضطراب في سنده لا يمنع من تصحيحه ، حيث إن رواته ثقات ، وأما الاضطراب في متنه فالراجح رواية عدد (القلتين) على غيرها . 

المسألة الثالثة: القلة إناء للعرب كالجَـرَّة الكبيرة ، وسعت القلتين 500 رطل عراقي ، وبالغرامات تساوي القلة الواحدة 102 كيلو تقريبا (شرح عبدالله الفوزان) .


المسألة الرابعة: معنى لم يحمل الخبث أي يقبل الخبث ويغلب عليه. 

المسألة الخامسة: قرر كبار العلماء والمجمع الفقهي بأن ماء المجاري إذا نقي بطرق التقنية الحديثة التي تذهب النجاسة فإن الماء يكون طهورا (شرح البسام)..


كتاب الطهارة من بلوغ المرام. 


الدرس الثالث: 

قال المؤلف رحمه الله: 

5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» أخرجه مُسْلِمٌ، وللبخاريِّ: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيه»، ولِمُسْلِمٍ: «مِنْهُ». ولأبي داوُدَ: «ولا يَغْتَسِلْ فيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ».


6- وعن رَجُلٍ صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أنْ تَغْتَسِلَ المَرْأةُ بفَضْلِ الرَّجلِ، أوِ الرَّجُلُ بِفَضْلِ المرأةِ، ولْيَغْتَرِفَا جَميعاً». أخرجهُ أبو داودَ ، وإسْنَادُهُ صحيحٌ.


7- وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها. أخرجه مسلمٌ، ولأصحابِ السُّنن: اغْتَسَل بَعْضُ أَزْواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيغْتَسِلَ مِنْها، فَقَالَتْ له: إنِّي كُنْتُ جُنُباً، فقالَ: «إنَّ الماءَ لا يَجْنُبُ»، وصححه الترمذي وابن خزيمة.



*التعليق:* 


قوله: (الماء الدائم) أي الساكن الراكد .

و(الجنب) هو الذي عليه جنابة ، والجنابة هي الحدث الحاصل بسبب جماع أو إنزال للمني .

وهذا الحديث برواياته المذكورة - هنا - اشتمل على مسألتين: 

الأولى : نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم . 

الثانية: النهي عن البول في ذلك الماء ثم الاغتسال بالانغماس فيه أو الأخذ منه .

وهل ينجس الماء أو لا ينجس ؟

إن كان لا يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فإنه لا ينجس ، وهو الكثير .

وإن كان يتغير أحد أوصافه الثلاثة المذكورة فإنه ينجس وهو القليل .

ثم إن كان لا يتغير فإن النهي ليس لعلة التنجيس وإنما لعلة الأذية للناس وذلك بإحداث القذر والوسخ .

وأما إن كان الماء يتغير وهو القليل فالأمر أشد لأنه يصبح نجسا وحينئذ يكون قد نجَّسه وآذى الناس بتوسيخ الماء عليهم وحرمانهم منه .

والحديث ورد في حق الجنب والمتبول ، وأما من أراد الاغتسال في الماء الراكد لإزالة الأوساخ فقط فالأحوط أن يقال يشمله الحكم لأنه ما دام أنه نهى الجنب مع حاجته للتطهر ورفع الحدث فمن باب أولى أن يدخل في الحكم من يريد إزالة الوسخ من جسده .

قال أهل العلم: ولا يدخل في ذلك الماء الجاري بنص الحديث ، ولا المياه المستبحرة باتفاق العلماء كون ماء البحر لا تغيره النجاسة .

وإذا كان قد نهي عن التبول في الماء الدائم فإن التغوط من باب أولى لأنه أقبح ، ومثله سائر المستقذرات لأن العلة واحدة وهي تلويث الماء .

وكما أنه نهي عن الاغتسال فكذلك الوضوء يشمله الحكم ، وقد ورد فيه حديث عند النسائي: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه) .


*مسائل حديث الصحابي المجهول*. 

المسألة الأولى: جهالة الصحابي لا تضر كون الصحابة كلهم عدولا رضي الله عنهم .

المسألة الثانية: معنى :(الفضل) الوارد في هذا الحديث والحديثين بعده هي الزيادة أي الماء الباقي الزائد عن استعمال المغتسِل .


المسألة الثالثة: درجة الحديث أن إسناده صحيح كما قال المؤلف رحمه الله ، ولكن يشكل عليه الحديثان الصحيحان اللذان  ساقهما بعده ويعارضانه ، قال الشبخ عبدالله الفوزان: ( العمل على الحديثين اللذين بعده أو يقال إن النهي محمول على التنزيه جمعا بين الأدلة ، وهذا عند وجود ماء آخر يغتسل فيه غير فضل المرأة ، أما إذا دعت الحاجة إلى فضل المرأة فإنها تزول الكراهة ، لأن الغسل واجب والوضوء واجب ، فلا كراهة مع الواجب عند الحاجة إلى الماء )

وقال أيضا: (والوضوء بفضل المرأة أشد لحديث الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة) .


*مسائل حديثَي ابن عباس*

المسألة الأولى : ابن عباس هو عبدالله بن عباس بن عبداامطلب الهاشمي ، حبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن ، وحصل له العلم والفهم على الرغم من صغر سنه لكن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك .

ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات ومات بالطائف سنة ثمان وستين ، رضي الله عنه  .


وأما ميمونة فهي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين ، وهي خالة عبدالله بن عباس ، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة سبع في شهر ذي القعدة لما اعتمر  عمرة القضاء ، وهي آخر من تزوجها صلى الله عليه وسلم ، وتوفيت بسَرِف سنة إحدى وخمسين .

 

المسألة الثانية: المراد بـ( الجفنة) القصعة الكبيرة وجمعها جـِفان .

المسألة الثالثة: دل حديث مسلم وحديث أهل السنن بعده على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة ،  وأما اغتسال المرأة بفضل الرجل فهو قياس على جوازه في حق الرجل .


دروس من كتاب بلوغ المرام (كتاب الطهارة)

باب المياه. 

الدرس الرابع:


قال المؤلف رحمه الله: 

8- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طَهُورُ إناءِ أحدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الكَلْبُ أن يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ» أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وفي لَفظٍ لَ-هُ: «فَلْيُرِقْهُ».


وللترمذيِّ: «أُخْراهُنَّ، أوْ أُوْلاهُنّ».


9- وعن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ - في الهِرَّةِ -: «إنّها ليْسَتْ بِنَجَسٍ، إنّمَا هي مِنَ الطَّوَّافين علَيْكُمْ». أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة.


*مسائل حديت ولوغ الكلب*.

المسألة الأولى: مفردات الحديث. 

قوله: (طهور إناء أحدكم) يجوز ضم الطاء وفتحها أي مطهِّر ، والإضافة هنا ملغية ، أي لا يعني ذلك أن إناء غيركم لا يشلمه الحكم .

وقوله: (ولغ الكلب) من الولوغ وهو شربه بطرف لسانه وتحريكه . 

المسألة الثانية: أن الكلب نجس بجميع أجزائه وفضلاته .

المسألة الثالثة: أن نجاسته مغلظة وهي أغلظ النجاسات حيث أمر بغسل الإناء منه سبع مرات .

المسألة الرابعة: أنه لا يكفي لإزالة نجاسته والطهارة منها إلا سبع مرات .

المسألة الخامسة: أن الكلب إذا ولغ في الإناء لا يكفي معالجة سؤره بالتطهير ، بل لا بد من إراقته ، ثم غسل الإناء بعده سبع مرات إحداهن بالتراب .

المسألة السادسة: وجوب استعمال التراب مرة واحدة من الغسلات ، والأفضل كونها الأولى لأن رواية( أولاهن بالتراب) هي أرجح من بقية الروايات لكثرة رواتها وكونها في الصحيحين ، ومن حيث المعنى فإنها إذا كانت أولاهن بالتراب فما بعدها من الغسلات يكون مزيلا لأثر التراب بخلاف ما لو كانت السابعة فإنها تحتاج إلى غسلة أخرى لتنظيفه.

وأما رواية: (أولاهن أو أخراهن) فإن كانت محفوظة فهي للتخيير وإن كانت شكا من الرواي فتقدم عليها الرواية السابقة .

المسألة السابعة: جاء في حديث عبدالله بن مغفل: (وعفِّروه الثامنة بالتراب) ، وظاهرها أن الغسل ثمان مرات ، وقال بعض أهل العلم: إن جعلها ثامنة لأن التراب جنس غير جنس الماء فجعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنين فكأن التراب قام مقام غسلة فسميت ثامنة.


*مسائل من حديث الهرة*.

المسألة الأولى: رواي الحديث أبو قتادة وهو الحارث ربعي الأنصاري الخزرجي شهد غزوة أحد وما بعدها وتوفي بالمدينة سنة أربع وخمسين ، رضي الله عنه .

المسألة الثانية: لما ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالكلب وأنه نجس ؛ ذكر ما يتعلق بالهرة وأنها طاهرة والعلة في ذلك أنها من الطوافين على الناس فيشق التحرز منها لكثرة دخولها وخروجها ، وكما أنها طاهرة فإن سؤرها وفضلاتها طاهرة .

المسألة الثالثة: ألحق أهل العلم بالهرة الحمار والبغل فهي طاهرة في سؤرها وعرقها للعلة المذكورة في الهرة ولحاجة الناس لهما في الركوب والحمل لا سيما في تلك الأزمنة السابقة حيث لا توجد سيارات ، وقد ركبها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ولم يخبر بأنها نجسة .


الدرس الخامس من كتاب الطهارة من بلوغ المرام. 


قال الحافط رحمه الله: 


10- وعَنْ أنَسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قضى بَوْلَهُ أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ مِنْ ماءٍ، فَأُهْرِيقَ عليْهِ. مُتّفَقٌ علَيْهِ.


11- وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُحِلّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ. فأمّا المَيْتَتَانِ: فالجَرَادُ والحُوتُ، وأمّا الدَّمَانِ: فالطِّحَالُ والكَبِد»، أخرجه أحمد، وابن ماجه، وفيه ضعف.


12- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقَعَ الذُّبَابُ في شرَابِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثمَّ ليَنْزِعْهُ، فإنَّ في أحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وفي الآخَرِ شِفَاءً» أخرَجَهُ البخاريُّ وأبو داود، وزادَ: «وإنّهُ يَتَّقِي بجَنَاحِهِ الذي فيهِ الدَّاء».


13- وعن أبي واقد الليْثيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ - وهيَ حَيّةٌ - فهُوَ مَيِّتٌ».. أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، واللفظ له.


*مسائل حديث بول الأعرابي*:

المسألة الأولى: رواي الحديث أنس بن مالك النجاري الخزرجي أبو حمزة خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة حتى وفاته ، وكان عمره حيئذ عشر سنين أو دونها ، وفي خلافة عمر انتقل إلى البصرة ليفقه الناس ومات بها وعمره ثلاث تسعون سنة وهو آخر من مات بها من الصحابة .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (أعرابي) المراد به البدوي ساكن البادية . وقوله: (بذنوب من ماء) بفتح الذال وضم النون هو الدلو العظيم الممتلئ ماءً .

وقوله: (فأهريق عليه) أي أريق وصـُبَّ عليه .

المسألة الثالثة: دل الحديث على أن البول نجس .

المسألة الرابعة: وجوب تطهير المساجد والعناية بها حيث أنكِر على هذا الرجل فعله ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه الصحابة عن أصل الإنكار ، وإنما نهاهم عن طريقتهم في الإنكار بالتعنيف التي قد تؤدي إلى تلويث المسجد لو أن الرجل قام وتفرق بوله في أكثر من ناحية ، وكذا فيها ضرر عليه لو حبس بوله ربما احتقن وتضرر .

المسألة الخامسة: دل الحديث على أن الأرض لو أصابتها نجاسة طهرت بصب الماء على المكان المتنجس  بشرط ذهاب عين النجاسة .

المسألة السادسة: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يأمر بتعنيف الرجل ، بل تركه يقضي حاجته لعلمه صلى الله عليه وسلم بجهله حيث إنه من الأعراب الجهلة الجفاة .

المسألة السابعة: حِلم الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث إنه لو أنكر عليه وأقامه وهو يبول لربما احتقن بوله وتضرر بسبب احتباس البول .

المسألة الثامنة: حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث تركه يبول في مكان واحد ولو أقامه وهو يبول لربما تطاير البول في أكثر من موضع من المسجد بسبب قيامه ومشيه .

وكل ذلك يدل على القاعدة الفقهية التي تقول: (إذا تعارضت مفسدتان ولا بد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأخف منهما) وهنا البول مفسدة بلا شك ولكن لو أقيم من بوله بالزجر ففيه تلك المفاسد المذكورة وهي أعظم ضررا .


*مسائل حديث الميتتين والدمين* .

المسألة الأولى:

مفردات الحديث .

قوله: (ميتتان) فسرها بقوله: (الجراد والحوت)

والجراد معروف ، والحوت أي السمك وجمعه حيتان .

وقوله: (دمان) فسرها بأنها الطحال والكبد .

والطحال: عضو يقع بين المعدة والحجاب الحاجز في يسار البطن وظيفته تكوين الدم وإتلاف القديم من كريَّـاته .

المسألة الثانية: دل الحديث على تحريم الدم المسفوح لأنه إنما أباح هذين الدمين( الطحال والكبد) .

المسألة الثالثة: أن الكبد والطحال حلال طاهرة .

المسألة الرابعة: تحريم الميتة لأنه إنما أباح هاتين الميتتين (الجراد والحوت).

المسألة الخامسة: أن الجراد والحوت حلال وطاهرة .

قال أهل العلم: الجراد الميت بالمبيدات الحشرية ونحوها حرام لأنه ضار بما فيه من المواد السامة ، وكذلك السمك إذا مات بتلوث البحار ونحو ذلك من السموم .

المسألة السادسة: دل الحديث على أن الماء الذي يموت فيه الجراد والحوت لا ينجس سواء أكان قليلا أم كثيرا وسواء تغيرت أوصافه الثلاثة أم لم تتغير ، لأنه إنما تغير بشيء طاهر .


*مسائل حديث الذباب*.

المسألة الأولى: أن الذباب طاهر حيا وميتا فلا ينجس ما وقع فيه الذباب من سائل أو جامد .

المسألة الثانية: استحباب غمس الذباب لما في ذلك من دفع الداء الذي فيه بالدواء الذي فيه .

المسألة الثالثة: قال أهل العلم يقاس على الذباب كل ما يشابهه مما لا دم له يسيل كالنحل والعنكبوت والبعوض ، فإذا وقعت هذه الحشرات في طعام أو شراب لم ينجس ولم يحرم لأن سبب التنجيس الدم المحتقن في الحيوان بموته ، وهذا لا يوجد فيما لا نفس له سائلة فانتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء العلة .


المسألة الرابعة: لا وجه للطعن في صحة الحديث فقد رواه صحابي جليل من تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو هريرة رضي الله عنه الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحفظ والذي فرَّغ نفسه لحفظ الأحاديث النبوية ، فلم يكن مشغولا بتجارة ولا زراعة حتى يقال لعله نسي ، بل كان مشغولا بالحفظ ليلا ونهارا .

وقد اكتشف الطب الحديث أن في أحد جناحي الذباب داءً وفي الآخر شفاءً ، وهكذا كل يوم والباحثون يكتشفون شيئا جديدا قد سبقهم إليه الإسلام بتقريره في الكتاب والسنة ، فبأي عقل يرد هذا الحديث ؟!!.


*مسائل حديث أبي واقد*.

المسألة الأولى: راوي الحديث هو أبو واقد الليثي معروف بكنيته واختلف في اسمه قيل اسمه الحارث بن عوف أسلم قديما وشهد غزوة بدر ، يعد من أهل المدينة ، وخرج إلى مكة وسكن بها ومات سنة ثمان وستين رضي الله عنه .

المسألة الثانية: الحديث أوله: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يجـبُّون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فقال: (ماقطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) هكذا رواه الترمذي .

المسألة الثالثة: مفردات الحديث .

قوله: (البهيمة) هي كل ذات أربع قوائم من دواب البر والبحر ما عدا السباع .

وقوله: (ميت) بتخفيف الياء ، وهو الحيوان الذي لم تلحقه ذكاة ، والمعنى أنه حرام كالميتة لا يجوز أكلها .

المسألة الرابعة: اعتبر العلماء هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الأحكام ، يدل على أن ما قطع من البهيمة في حياتها من سنام بعير أو ألية شاة ونحوهما فهو محكوم عليه بالنجاسة ، لأن الميتة كذلك ، فيحرم أكله والانتفاع به .

المسألة الخامسة: يستثنى من هذا العموم ما قطع من حيوانٍ ميتته طاهرة ، كالجراد والسمك ، والطريدة وهي الصيد يقع بين القوم ولا يقدرون على ذكاته فيقطع هذا منه بسيفه قطعة ، وهذا قطعة ، وهكذا ، حتى يموت ، ومثله الهارب من الإبل ونحوها إذا توحشت ولم يقدر على تذكيتها فقد فعل الصحابة ذلك في مغازيهم كما في صحيح البخاري .

كما يستثنى من ذلك الشعر والصوف والوبر والريش إذا قُـصَّ بدون أصوله .


الدرس السادس

من كتاب الطهارة من بلوغ المرام. 


*باب الآنية*.


14- عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ - رضي الله عنهما - قال: قال رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: «لا تَشْرَبُوا في آنيةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهمَا، فإنها لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ» متفق عليه.


15- وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: «الّذي يَشْرَبُ في إناءِ الْفِضَّةِ إنّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّم» مُتّفَقٌ علَيْهِ.


16- وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما -، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُبِغَ الإهَابُ فقدْ طَهُرَ» أخرجهُ مسلم ، وعند الأربعة «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ».


17- وَعَنْ سَلَمَةَ بن الْمُحَبِّقِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قال رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم -: «دِباغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا». صححهُ ابنُ حِبّان.


18- وعن ميْمُونَةَ - رضي الله عنها -، قالتْ: مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ يجرُّونَها، فقال: «لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟» فقالوا: إنّها مَيْتَةٌ، فقالَ: «يُطَهِّرُهَا الماءُ والْقَرَظُ» أخرجه أبوداود والنسائي.


*مسائل من حديث حذيفة*. 

المسألة الأولى: راوي الحديث حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي واسم اليمان: حـُسيل كما في صحيح مسلم ، أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون وشهدا أحد فقتل المسلمون أباه لأنهم لم يعرفوه ، مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان رضي الله عنه .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: ( صحافها ) الصحاف جمع صحفة وهي الإناء الذي يشبع خمسة ، ولكن الصحفة بهذا التعريف غير مرادة هنا فإن الصحفة التي لا تكفي إلا واحدا يشملها التحريم فيحرم أن تكون من ذهب أو فضة .

قوله: ( لهم في الدنيا) الضمير يعود إلى الكفار ، وإنما عاد للكفار ولم يسبق لهم ذكر في الحديث لأنه مفهوم من السياق .

المسألة الثالثة:  دل الحديث على تحريم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة لأجل التشبه بالكفار ، وهذا يعم الرجال والنساء .

المسألة الرابعة: الحديث ظاهر في أن النهي يختص بالأكل والشرب ، ولكن الجمهور ألحقوا به جميع الاستعمالات ، وقالوا إن ذكر الأكل والشرب إنما جاء بناء على الاستعمال الأغلب ، ولعل مذهب الجمهور أحوط . 


*مسائل حديث أم سلمة*.

المسألة الأولى: راوي الحديث أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة القرشية المخزومية ، أسلمت قديما وزوجها أبو سلمة مات عنها بعد غزوة أحد ، وتزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة توفيت بالمدينة سنة اثنتين وستين ، ودفنت بالبقيع وعمرها أربع وثمانون سنة ، وهي آخر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم موتا .

المسألة الثانية:  

مفردات الحديث.:

قوله: (يجرجر) من الجرجرة وهي صوت وقوع الماء في الجوف ، وهذا الحديث كالذي قبله من حيث الدلالة على تحريم الشرب في آنية الفضة .


*مسائل أحاديث الإهاب الثلاثة*.

المسألة الأولى:

ترجمة الرواة:  أما ابن عباس فتقدم ، وأما سلمة بن المحـبِّـق فهو الهذلي روى اثني عشر حديثا .

وأما ميمونة فهي بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين كان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ، تزوجها في ذي القعدة سنة سبع في عمرة القضية وكانت وفاتها سنة إحدى وستين وقيل غير ذلك وهي خالة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس ، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعدها .

المسألة الثانية:  مفردات الحديث: 

قوله: (دبِغ) من الدباغة وهي إزالة النتن والرطوبة من الجلد بمواد خاصة ، وقوله: (الإهاب) أي الجلد قبل أن يدبغ وأما بعد الدبغ فيسمى قِـربة وشَـنَّـاً ، وقوله: (القَـرَظ) هو مادة تستعمل في الدبغ.

المسألة الثالثة: ما دلت عليه هذه الأحاديث:

أولاً: دل حيث ابن عباس على أن أي جلد يدبغ فهو طاهر لأنه ورد بصيغة العموم .

ثانيا: دل حديث سلمة على أن الدباغ يُـطهِّر جلود الميتة. 

ثالثا: دل حديث ميمونة على أن الجلد الذي يطهر بالدباغ هو جلد الميتة التي تحلها الذكاة لأنها ذكرت شاة .

وبناءً على هذه الروايات وغيرها مما ورد فقد اختلفت آراء العلماء رحمهم الله هل يطهر بالدبغ كل جلد ؟ أم ذلك خاص بالطاهر في الحياة - ويدخل فيه الهرة - أم ذلك خاص بما تحله الذكاة كالشاة ؟

والأحوط والأتقى للعبد أن يقتصر على دبغ جلد ما يؤكل لحمه ويترك ما سواها .

واعتبار الدباغ طهورا لجلد الميتة من رحمة الله بعباده لينتفع به من يحتاج إليه من الفقراء وغيرهم .

وأما لبس الفِـرا المصنوعة من جلود السباع فالأحوط اجتنابه .


دروس من كتاب الطهارة من بلوغ المرام


*باب الآنية* 


الدرس السابع.


19- وعن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - رضي الله عنه -، قال: قُلْتُ: يا رَسولَ الله، إنّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ في آنيَتِهمْ؟ قالَ: «لا تأكلُوا فيهَا، إلا أنْ لا تَجِدُوا غَيْرَها، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فيها» متفق عَلَيْه.


20- وعن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -: «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابَهُ توضَّأوا من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ». متفق عليه ، في حديث طويل.


21- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه -: «أنَّ قَدَحَ النبيِّ انْكَسَرَ، فاتّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ». أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.


*مسائل من حديث أبي ثعلبة:*

المسألة الأولى: راوي الحديث أبو ثعلبة الخشني ، اشتهر بكنيته ، بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهمه في خيبر ، وأرسله إلى قومه فأسلموا ، وهو من أهل البادية يعتمد الصيد ، نزل الشام ومات بها سنة خمس وسبعين وهو ساجد رضي الله عنه .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (بأرض قوم أهل كتاب) المراد بها أرض الشام ، والظاهر أن المراد بأهل الكتاب هنا النصارى .

المسألة الثالثة: دل الحديث على غسل أواني أهل الكتاب إذا لم يجدوا غيرها ، كما دل على أنهم إن وجدوا غيرها فلا يستعملوها .

ودل على حرص الصحابة على السؤال عما يشكل عليهم ، وهذا كان دأبهم رضي الله عنهم أنهم يسألون ويعملون ، فلا يتركون السؤال فيجهلوا ، ولا يسألون لمجرد العلم من غير عمل .

وكثير من الناس اليوم يسأل أسئلة ليس وراءها عمل ، كمن يسأل عن مكان قبر نبي أو صحابي ، أو يسأل عن معانٍ لبعض مفرادات القرآن والسنة ليس وراءها عمل في الوقت الحاضر وغيرها أهم منها ، كقوله تعالى: *(أو ما ملكت أيمانكم)* ، أو يضعون ألغازا ثم يسألون أين توجد في القرآن ، ونحو ذلك من الأسئلة التي تنسيهم السؤال عن أمور عقيدتهم وعباداتهم وأخلاقهم والحلال والحرام .


فينبغي للعبد الموفق أن يسأل عن الأهم ، وليكن سؤاله لغرض العمل ، لا لمجرد العلم أو الاطلاع 

أو اختبار المسؤول .


*مسائل من حديث عمران بن حصين*.

المسألة الأولى: رواي الحديث هو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي ، أسلم عام خيبر ، وكان صاحب راية خزاعة يوم الفتح ، مات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين. 

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (مزادة) المزادة هي الراوية وهي قربة كبيرة فيها جلد من غيرها وتسمى أيضا: السطيحة. 

المسألة الثالثة: الحديث طويل كما قال الحافظ هنا ، ولكن قال العلماء ليس في الحديث ذكر الوضوء من تلك المزادة ، قالوا ولعل الحافظ قصد أن الصحابة لما ملأوا قربهم من تلك المزادة كما ورد في الحديث أن من ضمن استعمالاتهم للماء أنهم  سيتوضأون منه.

المسألة الرابعة: دل الحديث على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتقين فيها النجاسة .

كما دل على طهارة جلد الميتة إذا دبغ ، لأن المزادتين من ذبائح المشركين ، وذبائحهم ميتة .


*مسائل حديث أنس في القدح*.

المسألة الأولى: 

مفردات الحديث. 

قوله: (قدح) إناء يشرب به الماء وجمعه أقداح. 

قوله: (انكسر) جاء في رواية في البخاري أيضا: (فانصدع) أي: انشق. 

قوله: (مكان الشعب) أي الصدع والشق. 

وقوله: (سلسلة) أي سلكا من الفضة أو قطعة منها تصل بين طرفي الشق. 

المسألة الثانية: دل الحديث على جواز إصلاح الإناء المنكسر بسلسلة من فضة عند الحاجة ، وأن المحرَّم اتخاذه إناء من فضة. 

كما دل الحديث على أن ذلك مخصوص بالفضة ، وأما الذهب فلم يرد في إباحته شيء في مثل هذا العمل ، فيبقى النهي على عمومه ، ولأنه أغلى ثمنا من الفضة.

قال الشيخ عبدالله الفوزان: 

(في الحديث دليل على أنه ينبغي للإنسان متى أمكن إصلاح أوانيه أو نحو ذلك من أثاث منزله ؛ فإنه يصلحه ، ولا يرمي به ويشتري بدله ، لأن إصلاحها من الاقتصاد وتدبير المال ، وفي هذا درس تربوي لمن يحبون التجديد ومتابعة الحديث من المركب والأثاث واللباس ، والقديم يباع بأبخس الأثمان إن لم يرموا ما يمكن رميه ، وهذا من سوء التدبير وعدم رعاية المال .


دروس في الطهارة من كتاب بلوغ المرام. 


الدرس الثامن: 


*باب إزالة النجاسة وبيانها*. 


قال الحافظ رحمه الله: 

22- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَمْرِ: تُتّخَذُ خَلَّاً؟ فقال: ((لا)) أخْرَجَهُ مسلمٌ والترمذي، وقال: حسن صحيح.


23- وعنه - رضي الله عنه - قال: لَمّا كان يَوْمُ خَيْبَر، أَمَرَ رَسُولُ اللهِِ - صلى الله عليه وسلم - أبا طَلْحَةَ، فَنَادَى: ((إنَّ الله ورَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأهْلِيّةِ، فإنها رِجْسٌ)) متفق عليه.


24- وعن عَمرو بن خارجةَ - رضي الله عنه - قَالَ: ((خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنَىً، وَهُوَ على رَاحِلَتِهِ، ولُعَابُهَا يسيل على كَتِفِي)). أخرَجَهُ أحمد والترمذيُّ وصححه.


*التعليق*. 


النجاسة نوعان ، عينية وحكمية .

فالعينية هي أعيان مستقذرة شرعا لا تصح الصلاة معها من حيث الجملة ، كالبول والغائط ونحوهما ، وهذه لا يمكن تطهيرها .

وأما النجاسة الحكمية فهي التي تقع على محل طاهر فينجس بها .


*مسائل حديث أنس*.

المسألة الأولى: مفردات الحديث. 

قوله: (الخمر) الخمر ما أسكر العقل من عصير كل شيء أو نقيعه سواء من العنب أو التمر أو العسل أو الشعير أو الحنطة أو غيرها .

وقوله: (تتخذ خلا) الخل ما حمُض من عصير العنب ونحوه ، وقصد السائل هل تجوز معالجة الخمر لتخذها خلا ؟ فقال له: لا .

المسألة الثانية: استدل بالحديث على نجاسة الخمر ، ولهذا أورده هنا ، وهذه المسألة محل خلاف ، قيل نجسة ، وقيل طاهرة . ولا يلزم من تحريمها أنها نجسة ، فليس كل حراما نجسا ، والعكس صحيح ، فكل نجس حرام .

المسألة الثالثة: دل الحديث على أنه لا يجوز تخليل الخمر ، ولا تطهر بالتخليل على القول بنجاستها .


*مسائل حديث الحمر الأهلية*. 

المسألة الأولى: رواي الحديث أبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (الحمر الأهلية) الحمر جمع حمار والأهلية نسبة إلى الأهل أي الحيوان الأليف احترازا من الحمر الوحشية لأنها حلال. 

وقوله: (فإنها رجس) الرجس هو كل شيء يستقذر .

المسألة الثالثة: دل الحديث على تحريم لحوم الحمر الأهلية ، وأن لحمها ودمها وبولها وروثها كله نجس ، واختلفوا في بدن الحمار وعرقه وسؤره وريقه ونحو ذلك ، ولعل الأقرب أن ذلك طاهر ، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يركبون الحمير ولا يخلو ركوبها من عرق .

ولو كانت نجسة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الناس إلى هذا البيان ، ولأنه لا يمكن التحرز منها لا سيما لمن يقتنون تلك الحمير ويستعملونها  .


*مسائل حديث عمرو بن خارجة*.

المسألة الأولى: رواي الحديث هو عمرو بن خارجة الأسدي روى عنه عبدالرحمن بن غَـنْم وشهر بن حوشب .

والحديث له طرق وشواهد ، ولعل تصحيح الترمذي له ؛ من طرقه وشواهده .

المسألة الثانية: دل الحديث على طهارة لعاب البعير لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى اللعاب يسيل على كتف عمرو بن خارجة ولم يأمره بغسله ، ولو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم فإن الله يعلم ، ولو كان نجسا لم يقر الله نبيه على ذلك .

ومثل البعير في ذلك بقية بهيمة الأنعام من البقر والغنم وغيرها من الحيوانات المباحة الأكل ، فإن لعابها وبولها وروثها وسائر فضلاتها طاهرة .

وأما النهي عن مبارك الإبل ؛ فليس للنجاسة وإنما كونها من الشياطين كما في الحديث المروي في المسند وسنن أبي داود بسند صحيح .


دروس من كتاب بلوغ المرام. 


كتاب الطهارة. 

الدرس التاسع. 


*بقية أحاديث باب إزالة النجاسة وبيانها*. 


قال رحمه الله: 


25- وعن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: ((كانَ رَسُولُ اللهِِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ الْمَنِيَّ، ثم يخرُجُ إلى الصَّلاة في ذلك الثّوبِ، وأنَا أَنْظُرُ إلى أثَرِ الْغَسْلِ فيه)). متفق عليه، ولمسْلمٍ: ((لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكاً، فَيُصَلِّي فِيهِ)) وفي لفظ له: ((لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يابساً بظُفْري مِنْ ثَوْبِهِ)).


26- وعن أبي السَّمْحِ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسُولُ اللهِِ- صلى الله عليه وسلم -: ((يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، ويُرشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ)) أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم.


27- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بكر - رضي الله عنهما -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ -في دَمِ الحَيْضِ يُصيبُ الثّوبَ-: ((تَحُتُّهُ، ثمَّ تَقْرُضُهُ بالمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فيهِ)) متفق عليه.


28- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قالتْ خَوْلَةُ: يا رَسُولُ اللهِِ ، فإنْ لَمْ يَذْهَبِ الدَّمُ؟ قالَ: ((يَكْفِيكِ الْمَاءُ، ولا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ)) أخرجه الترمذي وسنده ضعيف.


*مسائل من حديث عائشة في المني*.

المسألة الأولى: راوي الحديث عائشة بنت أبي بكر الصديق ، أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديخة وهي بنت ست سنين ، ودخل بها وهي بنت تسع ، وكانت أحب نسائه إليه ، وتوفيت بالمدينة في رمضان سنة ثمان وخمسين ، رضي الله عنها .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قولها: (كان يغسل المني) ، المني من الرجل ماء أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ، ويخرج بشهوة .

وقولها: (لقد كنت أفركه) أي أحكه وأدلكه .

المسألة الثالثة: دل الحديث على طهارة مني الآدمي ، لأن الوارد فيه أنه يغسل إن كان رطبا ، ويحك بالظفر إن كان يابسا ، ولو كان نجسا لم يكفِ فيه الحك .

وقال شيخ الإسلام: المني طاهر وكون عائشة تارة تغسله وتارة تفركه ؛ لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والوسخ .

المسألة الرابعة: استدل بعض العلماء بالحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة ، قال: لأننا لو حكمنا بنجاسته ؛ لحكمنا بنجاسة منيها .

المسألة الخامسة: الحديث يبين لنا ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا ، حيث كان يغسل ثوبه من المني ويصلي فيها ، فثوب نومه هو ثوب صلاته وخروجه ، ولنا في ذلك قدوة .


*مسائل حديث أبي السمح*. 

المسألة الأولى: رواي الحديث أبو السمح ، واسمه إياد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه ، روى حديثا واحدا ، قال ابن عبدالبر: يقال: (إنه ضل ولا يُدرَى أين مات) رضي الله عنه .

المسألة الثانية: مفردات الحديث. 

قوله: (يرش) الرش هو النضح وهو دون الغسل .

وقوله: (الجارية) المراد بها الطفلة .

وقوله: (الغلام) الابن الصغير من الولادة إلى البلوغ ، والمراد هنا الطفل الرضيع ، وقد يطلق الغلام على ما بعد البلوغ مجازا  باعتبار ما كان عليه .

المسألة الثالثة: دل الحديث على التفريق بين بول الجارية والغلام ، فيغسل من بول الجارية والغسل معروف ، ويرش من بول الغلام وهو الذي لم يصل إلى سن يأكل فيه الطعام ، وإنما طعامه اللبن .

المسألة الرابعة: نضح بول الغلام لا يعني طهارة بوله ، ولكن للتخفيف لأجل المشقة .

المسألة الخامسة: الحديث ورد في التفريق في البول بين الجارية والغلام . وأما العَذِرَة فيستوي فيها الذكر والأنثى .


*مسائل حديث أسماء في دم الحيض*. 

المسألة الأولى: راوي الحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ، أسلمت قديما بمكة ، وتزوجها الزبير بن العوام ، وهاجرت إلى المدينة حاملا بعبدالله بن الزبير ، لقبت بذات النطاقين ،

وقد ورد بذلك أثر عند ابن سعد وصححه الحافظ ابن حجر

ومعنى الأثر: أنها صنعت طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه حين أرادا الهجرة فلم تجد لطعامه ولا لسقائه ما تربطهما به إلا نطاقها ، فشقته ، فربطت بواحد الطعام ، وبالآخر السقاء فسميت بذات النطاقين .

المسألة الثانية: دل الحديث على أن دم الحيض إذا أصاب الثوب أن المرأة تحتُّه - أي تقشره بظفرها ونحوه - ثم تقرصه بالماء - أي تدلك الدم بأطراف أصابعها بالماء ، ثم تنضحه - أي ترشه - ثم تصلي فيه .

المسألة الثالثة: دل الحديث على نجاسة دم الحيض قليله وكثيره .

وأما الدم الخارج من غير السبيلين ففيه قولان: أحدهما أنه نجس ، والآخر أنه ليس بنجس ، والظاهر أنه ليس بنجس حيث لم يرد دليل على نجاسة الدم إلا دم الحيض ، ولأن الأصل الطهارة ، ولأن الصحابة لم يرد عنهم غسل الدم من جراحاتهم في الجهاد ونحوه .

المسألة الرابعة: دل الحديث على جواز صلاة المرأة في ثوبها الذي أصابه دم الحيض ما دام غسلته .


*مسائل حديث خولة في الدم*. 

المسألة الأولى: راوي الحديث خولة ، وهي بنت يسار ، رضي الله عنها.

المسألة الثانية : الحديث عند أبي داود وليس عند الترمذي .

المسألة الثالثة: الحديث ضعفه المؤلف ، ولكن صححه غيره .

المسألة الرابعة: دل الحديث على أن دم الحيض بعد غسله لا يضر بقاء أثره ، لأن اللون قد يبقى في الثوب ، واللون ليس خَـبَـثا ، إنما الخَبَث هو عين النجاسة وقد زالت ، ولكن مع ذلك لا بد من الاجتهاد في إزالة اللون .


الدرس العاشر

من كتاب بلوغ المرام كتاب الطهارة. 


*باب الوضوء*. 

(حديث السـواك)


قال رحمه الله: 

29- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ على أُمَّتي لأمرتُهُم بالسِّواكِ مَعَ كلِّ وُضُوءٍ». أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقا.


قوله: (باب الوضوء)

لما أنهى الكلام على أحكام المياه والنجاسات شرع في ذكر الوضوء .

والوضوء من الطهارة ، وسبق أن الطهارة شرط في صحة الصلاة .

والوضوء هو التعبد لله بغسل ومسح أعضاء مخصوصة ذكرها الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي الكلام عليها في الأحاديث ، وأما القرآن فقد قال الله تعالى: *{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}*.


وبدأ المولف رحمه الله بحديث السواك ؛ لأن السواك يكون قبل الوضوء .

والسواك مشروع في سائر الأوقات .

فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : *(أكثرت عليكم في السواك)* رواه البخاري .

وعن عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: *(السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)* رواه النسائي وابن خزيمة موصولا ، ورواه البخاري معلقا بصيغة الجزم .

وعن عائشة رضي الله عنها أيضا قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *(عشر من الفطرة)*، وذكر منها: *(السواك)* رواه مسلم 

لكنه يتأكد في مواضع منها: 

1 - مع كل الوضوء. 

2 - مع كل صلاة .

وقد دل لهذين الموضعين حديث الباب ففي بعض زياداته ذكر الصلاة .

3 - عند الاستيقاظ من النوم ، لحديث حذيفة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك ،  متفق عليه .

4 - عند قيام الليل لحديث عائشة رضي الله عنها: كنا نُعِدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي ، رواه مسلم .

5 - عند دخول البيت لحديث شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت: *(بالسواك)* رواه مسلم .


فمما سبق يتبين أن السواك سنة في سائر الأوقات بالليل والنهار للصائم والمفطر .

والحديث الوارد في إباحته للصائم أول النهار ومنعه منه آخره ؛ ضعفه أهل العلم .

والسواك لا يزيل خلوف فم الصائم ، لأن مصدر الخلوف المعدة والسواك إنما يكون في الفم ، فلا ينبغي التفريط فيه .


وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مداوما عليه حتى في حضرة الموت ، وقال في الحديث السابق: *(أكثرت عليكم في السواك)* ، فإنه من الحرمان أن ترى كثيرا من الناس يتساهلون فيه فلا يستاكون مع وضوء ولا مع صلاة ، فضلا عن بقية الأوقات ،

أنظر أيضا :