خطبة الجمعة رمضان موسم الخيرات Friday sermon Ramadan is the season of good deeds
من جواهر المنابر (هدية للسادة الخطباء على أبواب رمضان)
رمضان موسم الخيرات. الدكتور عبد الرحمن بوكيلي
عناصر الخطبة:
المغفرة والرحمة.
عِظَمُ الأجر.
دعوة الصائم.
الصوم شفيع لأصحابه.
جُنَّة من النار.
فتحت أبواب الجنة.
خمس خصال للأمة.
أما بعـــــــــد:
الحمد لله رب العالمين....
الخطبة الأولى:
أيها المؤمنون، يَحُلُّ بنا بعد أيامٍ قلائِلَ شهرٌ كريم، فضَّلَه الله سبحانه وتعالى على غيره من الشهور بِـمَزايا كثيرةٍ. وعلى رأسها أنه شهرُ الصِّيام والقِيام (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)البقرة 185، وأنه شهرُ القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)البقرة 185، وأنه شهر الدعاء والاستغفار (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة186. كما أنه بالجملة موسمُ الطاعات والقرُبات. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ"
ويكفيه فخرا أن اللهَ جعلَهُ موسِمًا لِتحقيق التَّقوى بامتياز. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)البقرة 183.
فتعالوا بنا معشر الإخوة نُذَكِّر بجملة من فضائل هذا الموسم وما أعَدَّهُ الله تعالى فيه لعباده من الخيرات الكثيرات والفُرَصِ الثَّمِينات.
1- المغفرة والرحمة.
فرمضانُ، أخي المسلم، فُرصتُك للتَّوبة إلى الله والتَّخلُّص والتَّطهُّر من الذنوب الكثيرة الـمُتراكمة.
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)
فاحذر أخي المسلم من الغفْلةِ عن هذا المعنى النَّفيس، فإنّه مَنْ فاتَهُ هذا في رمضان فهَيْهَات أن يُدرِكَهُ في غيره.
عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّن على قولِ جبريلَ: (بَعُدَ مَنْ أدْرَكَ رمضان فَلَمْ يُغفَر له.) قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقاة.
فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وما أنت أعلم به منا.
2- عِظَمُ الأجر.
ولا يَتَوَقَّفُ الأمرُ عندَ مغفرةِ الذنوبِ، بل إن الله تعالى يتفضَّل على عباده في هذا الشهر بِـمُضاعَفَةِ الأجر وتيسيره. ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىَ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: إِلاّ الصّوْمَ. فَإِنّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي..." فانظر، رعاك الله، كيف يبْقَى أجْرُ الصيام سِرًّا بين العبْد وربِّه سبحانه.
ومِن مُضاعفة الحسنات ما ذُكِر في الحديث الذي أخرجه ابن خُزيمة في صحيحه عن سلمانَ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عظَيِمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، جَعَلَ اللَّهُ صِيَامَهُ فَرِيضَةً، وَقِيَامَهُ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ...)
فاللهم بارك لنا في أعمالنا وأعظم لنا أجرا.
3- دعوة الصائم.
ومن الفضائل الربانية في هذا الشهر أنه شهرُ الدعاءِ والاستجابة. قال تعالى في آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة 186. وفي جامع الترمذي وحسَّنَه عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثَةٌ لا تُرَدّ دَعْوَتُهُمْ: الصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَالإمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَام وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ، ويَقُولُ الرّبّ وعِزّتِي لأنُصُرَنّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.)
فاغتنم، أخي الحبيب، هذه النَّفَحَات وتوجَّه إليه سبحانه بخالِص الدُّعاء حين الفِطْر وفي جوف الليل وعند السَّحَر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَضَىَ شَطْرُ اللّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ إِلَى السّمَاءِ الدّنْيَا. فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَىَ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتّى يَنْفَجِرَ الصّبْحُ.»
ولا تنْسَ، وأنت تَتَوَجَّه إلى الله، إخوانَك في مشارق الأرض ومغاربها، فهُمْ في أمَسِّ الحاجة إلى دعائِك.
واحذر أخي الكريم أن تكون من أولئك الغافلين الذين يَسهَرُون إلى منتصف الليل ثم ينامون ولا يستيقظون إلا والشمسُ في كَبِد السماء. حَرَمُوا أنفسهم من الخير كلِّه، وبالَ الشيطان في آذانهم. ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتّى أَصْبَحَ. قَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشّيْطَانُ فِي أُذُنِيْهِ»
4- الصوم شفيع لأصحابه.
ومِمَّا خصَّ الله به هذا الشهر الكريم من الفضل أن جَعَلَهُ سبحانه موْطِن عبادتين شافِعتين للعبد، الصّيام والقرآن.
أخرج الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وصححه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ.»
5- جُنَّة من النار.
وإنَّهُ لَمَّا كان المؤمنُ بصيامِه عامِلاً على حِفْظِ نفسه من الشهوات ومن المعاصي، وقَاهُ الله تعالى من عذاب جهنَّم وجعلَ بينه وبينها بَوْنًا شاسِعا. ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهُ صلى الله عليه وسلم: «وَالصّيَامُ جُنّةٌ.» أي وقاية. وفي البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»
فاللهم قِنا عذابَكَ يومَ تبعثُ عِبادَك....
6- فتحت أبواب الجنة.
ومن الألْطافِ الإلهية في هذا الشهر المبارك أن يَسَّر سبحانه على عباده سُلوكَ سبيلِ الجنّة. فأبوابُها مُفَتَّحة، وأبوابُ جهنَّمَ مُغَلَّقَةٌ، وشياطينُ الجنِّ مُصَفَّدة... إنها الفرصةُ العزيزة لتسجيل اسمِك في لاَئحة أصحابِ الجنَّة. أخرج البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ»
وإمْعانا في الاحتِفاء بالصائمين جعل الله جل جلاله بابا من أبواب الجنَّة الثمانية للصائمين. ففي صحيح مسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»
اللهم اجعلنا من أهلها...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين.... معشر المؤمنين
7-خمس خصال للأمة.
هذا، وقد بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما لِرمضانَ مِن الفضْل في بيانِه لِلْخِصال الخَمسِ التي خُصَّت بِها هذه الأمة في رمضان. ففي مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَالَ لَا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ.»
أما بعـــــــــد:
فتِلك جُمْلةٌ من خصائص رمضان قد بيَّنَّاها، وهذه بعض فضائله كما سَطَّرناها. وأستسمحكم، معشر الإخوة، لِنُوَجِّهَ أنفسنا إلى أمور ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم:
أولها: رمضان فرصة مُتجدِّدَة لتَجْدِيدِ التَّوبة وتصْحيح السَّير إلى الله سبحانه. فها هو الله جلَّ جلاله يَبْسُط أمامك رحمته ويدعوكَ إلى الاستجابة والإنابة. (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة 186. فأنت أخي المسلم، لم تُخْلْق عَبَثًا وما تُرِكت سُدًى، لم تُخلق لِلّهو واللعب، لم تُخلق للتَّكالب على الدنيا ومتاهاتها... وإنما خُلقت لطاعة الله سبحانه وخدمة دينه، والسعي في الصلاح والإصلاح. فهَيّا إلى التوبة والإنابة.
ثانيا: إذا رأيت هلال رمضان فرَدِّد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا باليُمْنِ وَالإِيمانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» أخرجه الترمذي وحسنه. واعْقِد النِّية على صيامه وقيامه. ففي السنن عن حفصَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبلَ الفَجرِ فلا صِيامَ لَهُ»
ثالثا: الحذرُ من مُفسدات الأعمال، والتشمير على ساعد الجِدِّ لمجاهدة النفس على طاعة الله سبحانه وتعالى وفعل الخير.
فاللهم وفقنا لطاعتك واصرف عنا معصيتك.....
إرسال تعليق
صوره اقتباس صندوق كود